
إذا كنتِ امرأة وتشعرين أنكِ تتعبين بسرعة أكبر من زملائك الرجال في العمل، أو أن أعباء المنزل ترهقكِ أكثر مما ترهق شريككِ، فاعلمي أنكِ لستِ وحدك. تشير العديد من الدراسات والتقارير العلمية إلى أن النساء يعانين من مستويات أعلى من التعب والإرهاق المزمن مقارنة بالرجال. لكن ما السبب وراء هذه الظاهرة؟ هل هي بيولوجية بحتة أم أن عوامل نفسية واجتماعية تلعب دوراً مهماً؟
تظهر الدراسات أن النساء أكثر عرضة للإبلاغ عن التعب المزمن بنسبة تصل إلى 50-70% أكثر من الرجال. هذا الفرق ليس مجرد شعور ذاتي، بل له جذور عميقة في الفروق البيولوجية والهرمونية بين الجنسين، بالإضافة إلى العبء المزدوج الذي تتحمله المرأة في مجالات العمل والمنزل.
الأسباب البيولوجية والهرمونية: التعب “المبرمج” في جسد المرأة
تخضع المرأة لتقلبات هرمونية مستمرة على مدار الشهر تؤثر بشكل مباشر على مستويات طاقتها:
- انخفاض الحديد: فقدان الدم خلال الدورة الشهرية يمكن أن يؤدي إلى فقر الدم (الأنيميا)، مما يقلل من قدرة الدم على حمل الأكسجين إلى خلايا الجسم، وبالتالي الشعور المستمر بالتعب والإرهاق.
- تقلب الهرمونات: تسبب التغيرات في مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون أعراضاً مثل الصداع، آلام العضلات، والتقلبات المزاجية، وكلها تساهم في استنزاف الطاقة.
أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن أدمغة النساء تميل إلى:
- معالجة عاطفية أعمق: مما يجعلها أكثر تأثراً بالمشاعر والتوتر، وهذا النشاط العقلي المستمر يستهلك طاقة كبيرة.
- التعددية في المهام: تمتلك النساء قدرة طبيعية أعلى على أداء مهام متعددة في وقت واحد، وهو أمر مفيد ولكنه مرهق للغاية على المدى الطويل.
هناك أمراض تصيب النساء بنسب أعلى بكثير وتسبب التعب المزمن، مثل:
- متلازمة التعب المزمن
- أمراض المناعة الذاتية (مثل الذئبة، التهاب المفاصل الروماتويدي)
- الفيبروميالجيا (آلام العضلات والتعب المستمر)
- اضطرابات الغدة الدرقية
يرفع مستويات السيروتونين (هرمون السعادة) – يؤثر على جودة النوم
يسبب النعاس – يؤثر على درجة حرارة الجسم
فقدان الحديد – انخفاض الطاقة – تقلبات مزاجية
تغيرات هرمونية كبرى – زيادة الوزن – أرق الحمل
هبات الحرارة – اضطرابات النوم – تقلبات مزاجية حادة
الأسباب النفسية والاجتماعية: العبء المزدوج غير المرئي
حتى في العلاقات المتساوية، تظهر الدراسات أن النساء يتحملن غالباً:
- العمل المنزلي غير المأجور: مثل الطهي، التنظيف، العناية بالأطفال، وترتيب المواعيد الطبية.
- العمل العاطفي: تذكر أعياد الميلاد، الحفاظ على العلاقات الأسرية، الدعم النفسي لأفراد الأسرة.
- “الحمل العقلي”: التفكير المستمر في احتياجات الأسرة وتنظيم شؤون المنزل حتى عند عدم تنفيذ المهام فعلياً.
تواجه المرأة في بيئة العمل تحديات إضافية تزيد من إرهاقها:
- الحاجة لإثبات نفسها بشكل مضاعف في مجالات يهيمن عليها الرجال
- فجوة الأجور التي تجبرها على العمل بجهد أكبر للحصول على نفس الدخل
- التحرش الجنسي والتمييز في أماكن العمل
- التحدي في التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية
تتعرض المرأة لضغوط اجتماعية هائلة لتكون “مثالية” في كل شيء:
- الضغط للالتزام بمعايير جمالية غير واقعية
- توقع أن تكون الأم المثالية، الزوجة المثالية، والموظفة المثالية في نفس الوقت
- الإحساس بالذنب عندما لا تستطيع الوفاء بكل هذه التوقعات
- القليل من المساعدة النفسية مقارنة بالرجال، حيث يقل احتمال طلب النساء للمساعدة المهنية
الحقيقة: للنساء قدرة تحمل فريدة، خاصة خلال الحمل والولادة. الفرق في التعب ليس بسبب الضعف، بل بسبب عوامل هرمونية واجتماعية معقدة.
الحقيقة: التعب الأنثوي ظاهرة مدعومة علمياً بأبحاث عن الهرمونات، بنية الدماغ، والأعباء الاجتماعية غير المتساوية.
الحقيقة: التعب المزمن عند النساء يحتاج لمعالجة شاملة تشمل الفحوصات الطبية، الدعم النفسي، وإعادة توزيع الأعباء المنزلية.
الحلول العملية: كيف يمكن للمرأة إدارة طاقتها بشكل أفضل؟
التعب الأنثوي حقيقة وليس ضعفاً
التعب الذي تشعر به المرأة ليس وهماً أو ضعفاً في الشخصية، بل هو نتيجة حتمية لتفاعل معقد بين عوامل بيولوجية فريدة وضغوط اجتماعية غير متكافئة. الفهم العميق لهذه الأسباب هو الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول عملية، سواء على المستوى الشخصي من خلال إدارة أفضل للطاقة ووضع الحدود، أو على المستوى المجتمعي من خلال العمل نحو توزيع أكثر عدالة للأعباء المنزلية والعاطفية.
إذا كنتِ تشعرين بالتعب المستمر، فاعلمي أنكِ لستِ وحدك، وأن طلب المساعدة – سواء طبية أو نفسية أو عملية – ليس ضعفاً، بل خطوة شجاعة نحو حياة أكثر توازناً وطاقة.










