
في قضايا الحياة الزوجية، تبرز بعض التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات واضحة وموثقة من مصادر شرعية معتمدة. ومن بين هذه التساؤلات التي تتردد كثيراً: ما حكم رضاعة الزوج من ثدي زوجته؟ إجابة هذا السؤال ليست واحدة عند جميع العلماء، لكن هناك رأياً راجحاً اعتمدته العديد من الجهات العلمية الكبرى، استناداً إلى أدلة من الكتاب والسنة. في هذا التقرير الشامل، نستعرض لك آراء كبار العلماء والأدلة التي استندوا إليها، لتكون على بيّنة من أمرك.
الرأي الراجح: لا يحرم الزوجة وليس له تأثير على عقد النكاح
ذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة إلى أن رضاع الكبير لا يُحَرِّم، وهو القول المعتمد لدى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية،以及 العديد من الهيئات الشرعية الكبرى .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها:
- قول الله تعالى: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” . حيث خصصت الآية إرضاع الطفل بالحولين، مما يعني أن الرضاع المؤثر هو ما حدث في هذه الفترة.
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ” ، أي من الجوع، والكبير لا يرتضع عادة لسد جوعه.
- أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات مشبعات أو أكثر في الحولين الأولين من عمر الرضيع .
وبناءً على هذه الأدلة، يرى الجمهور أن الرجل إذا شرب من لبن زوجته، فلا تحرم عليه، ولا يترتب على ذلك أي أثر في حلّ الزوجية .
آراء العلماء الكبار في المسألة بتفصيل دقيق
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
أفتى الشيخ ابن باز بأنه “لا حرج، يعني: لو مص ثديها ما يضره، لو مص اللبن من ثديها؛ لأن رضاع الكبير لا يؤثر شيئاً عند جمهور العلم”. لكنه أضاف ناصحاً: “لكن ترك ذلك أولى لا حاجة إلى هذا” .
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
أكد الشيخ العثيمين أن “رضاع الكبير لا يؤثر؛ لأن الرضاع المؤثر ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، وأما رضاع الكبير فلا يؤثر، وعلى هذا فلو قدِّر أن أحداً رضع من زوجته أو شرب من لبنها: فإنه لا يكون ابناً لها” . ومع ذلك، فقد نَهى عن هذا الفعل إن كان على صورة الرضاع المعتاد، تحرزاً من الخلاف وتحاشياً للمشاكل الاجتماعية التي قد تنتج إذا قلّد الشخص قول من يرى التحريم .
رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
أجابت اللجنة -والتي كان من أعضائها الشيخ ابن باز- بأنه “يَجُوزُ للزوج أن يَمصَّ ثدي زوجته، ولا يقع تحريم بوصول اللبن إلى المعدة” .
الرأي الثاني: كراهة الفعل دون التحريم
بينما يرى فريق آخر من العلماء، منهم من يفتي في “إسلام ويب”، كراهة تعمد الشرب من لبن الزوجة من غير ضرورة .
ويعود سبب الكراهة عندهم إلى:
- مخالفة الفطرة السليمة، حيث أن اللبن لم يُخلق لهذا الغرض.
- الخروج من خلاف من قال بتحريم رضاع الكبير .
- أن الانتفاع بجزء الآدمي (وهو اللبن) لا يُباح إلا للضرورة، كالتداوي .
خلاصة الحكم الشرعي والنصيحة العملية للزوجين
- من حيث الحل والحرمة: الراجح من أقوال العلماء هو الجواز، وأن الزوجة لا تحرم على زوجها بسبب هذا الفعل .
- من حيث الأولى والأفضل: الترك أولى وأحسن، تجنباً لشبهة القول بالتحريم، وحفاظاً على المروءة والفطرة السليمة، وخروجاً من الخلاف بين العلماء .
- تذكير مهم: العلاقة الزوجية مباحة على أوسع ما يكون، ولم يحرم فيها إلا الإيلاج في الدبر، والجماع في حال الحيض والنفاس . ويبقى الأصل هو التستر وعدم الإسراف في الأمور التي قد تخالف المروءة حتى لو كانت جائزة.
خاتمة
المسائل الفقهية المتعلقة بالحياة الزوجية تحتاج إلى تروٍّ واتباع للدليل، والرجوع إلى العلماء الموثوقين. في مسألة رضاع الزوج، يتبين أن المحظور ليس في الفعل نفسه من حيث التحريم، بل في المبالغة فيه وعدم مراعاة الأولويات والآداب العامة. ديننا الحنيف دين يسر وسعة، ويأمر بالعفاف والحفاظ على الكرامة في كل شيء.










