علماء يهندسون دواء للسرطان أقوى 20 ألف مرة من الكيماوي التقليدي.. وأمل جديد لمرضى اللوكيميا

في طفرة علمية هي الأولى من نوعها، نجح فريق بحثي من جامعة نورث وسترن Northwestern University في تحويل دواء للسرطان كيماوي تقليدي إلى علاج ثوري، أصبح أقوى بـ 20,000 مرة في قتل الخلايا السرطانية، وذلك دون التسبب في أي آثار جانبية يمكن اكتشافها في نماذج الحيوانات حتى الآن .

يعتمد هذا الابتكار على مجال يسمى “الطب النانوي البنيوي”، والذي لا يركز على اكتشاف أدوية جديدة، بل على إعادة تصميم هيكل الأدوية الحالية لتحويلها من قنابل عشوائية إلى صواريخ موجهة ذكية. وقد تم نشر هذه النتائج الرائدة في 29 أكتوبر 2025 في الدورية العلمية المرموقة ACS Nano .

ما سر هذا الدواء الجبار؟ التقنية التي غيرت قواعد اللعبة

المشكلة التاريخية مع العديد من أدوية العلاج الكيماوي، مثل دواء “5-فلورويوراسيل” (5-FU) الذي تم تطويره في هذا البحث، ليست فقط في سميتها، بل في عدم قدرتها على الذوبان بشكل جيد في سوائل الجسم. حيث أن أقل من 1% من الدواء التقليدي فقط هو ما يذوب ويصل في النهاية إلى الورم، بينما يتسبب الجزء المتبقي في تسمم الخلايا السليمة وإصابة المرضى بأعراض مثل الغثيان والإرهاق .

لحل هذه المعضلة، استخدم فريق البروفيسور تشاد ميركين Chad A. Mirkin، وهو رائد في مجال الكيمياء والطب النانوي، هياكل تسمى “الأحماض النووية الكروية” (Spherical Nucleic Acids أو SNAs). تقوم هذه التقنية على “تغليف” جزيئات الدواء داخل أغلفة من الحمض النووي (DNA) مشكلة كرات نانوية صغيرة .

كيف تعمل هذه “القنبلة الذكية” داخل الجسم؟

تكمن براعة هذه التقنية في الطريقة التي تتفاعل بها مع الخلايا السرطانية:

  • الاستهداف الذكي: تمتلك الخلايا، وخاصة الخلايا السرطانية النخاعية (كالتي في سرطان الدم النخاعي الحاد)، مستقبلات على سطحها تتعرف على هياكل الأحماض النووية الكروية وتجذبها إلى داخل الخلية بشكل طبيعي .
  • الإطلاق الداخلي: بمجرد دخول هذه الكرات النانوية إلى قلب الخلية السرطانية، تقوم الإنزيمات بتفكيك الغلاف الخارجي، مما يؤدي إلى إطلاق الدواء الكيماوي بشكل مركز ومباشر داخل الورم، وليس في الجسم كله .
  • التأثير المدمر: هذه الجرعة المركزة والمستهدفة هي التي تمنح الدواء الجديد قوته الهائلة، حيث يدمر الخلايا السرطانية بفعالية أعلى بعشرات الآلاف من المرات، بينما تبقى الخلايا السليمة محمية .

نتائج مذهلة في مكافحة سرطان الدم

عند اختبار العلاج الجديد على نماذج حيوانية لسرطان الدم النخاعي الحاد (AML) – وهو أحد أصعب أنواع السرطانات علاجاً – كانت النتائج مبهرة :

  • فعالية مدمرة للسرطان: كان الدواء المعدل أقوى بـ 20,000 مرة في تدمير خلايا اللوكيميا.
  • امتصاص أفضل: دخل الدواء إلى الخلايا السرطانية بكفاءة أعلى بـ 12.5 مرة.
  • إبطاء كبير للورم: أدى إلى إبطاء تقدم السرطان بمقدار 59 ضعفًا.
  • الهدف الأهم: لا آثار جانبية لم يتم رصد أي آثار جانبية يمكن اكتشافها، حيث أن الدواء كان يهاجم الخلايا السرطانية بشكل انتقائي.

ماذا عن المستقبل وخطوة نحو التجارب السريرية؟

هذا الإنجاز لا يعني أن العلاج أصبح متاحاً في الصيدليات، فهو لا يزال في مرحلة البحث قبل السريري. الخطوة التالية للفريق هي اختبار العلاج على مجموعة أكبر من الحيوانات، ثم التقدم نحو التجارب على الحيوانات الأكبر حجماً، وأخيراً التجارب السريرية على البشر، وذلك بعد تأمين التمويل اللازم .

ومع ذلك، يمنح هذا النجاح أملاً هائلاً للمرضى، خاصة أن تقنية الأحماض النووية الكروية مثبتة بالفعل ولها سبعة علاجات أخرى قيد التجارب السريرية حالياً .

خاتمة

هذا التطور لا يشكل تقدماً في علاج السرطان فحسب، بل هو نقلة نوعية في فلسفة العلاج الكيماوي نفسه، من قصف عشوائي إلى استهداف دقيق. بينما تستمر الجهود البحثية، فإن هذا الابتكار يضع حجر أساس لعصر جديد من الطب الدقيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى