انطفأ أحد أبرز الوجوه الفنية في الذاكرة الثقافية السورية والعربية، برحيل الفنان القدير سلوم حداد، الذي غيب الموت صوته المسرحي الشجي وإبداعاته التلفزيونية التي شكلت جزءاً أصيلاً من المشهد الفني العربي لــ عقود. حمل نبأ رحيله موجة من الحزن العارم في الأوساط الفنية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنعى سوريا فنانها الذي لم يكذب يوماً على جمهوره، وترك إرثاً فنياً خالداً سيظل محفوراً في ذاكرة الأمة.
بدايات مسيرته الفنية
ولد سلوم حداد في مدينة حمص السورية، وبدأ رحلته الفنية من المسرح المدرسي حيث كانت البذرة الأولى لموهبته الاستثنائية. انتقل لاحقاً إلى دمشق ليدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج منه ليكون أحد أبرز نجوم جيله.
تميزت بداياته بالعمل في المسرح القومي في دمشق، حيث قدم العشرات من العروض المسرحية التي أظهرت براعته في تجسيد الشخصيات المتنوعة. كانت أدواره في المسرحيات الكلاسيكية والمعاصرة تنبئ بموهبة استثنائية قادرة على اجتياز كل الحواجز.
إسهاماته في الدراما التلفزيونية
برع سلوم حداد في تجسيد الشخصيات التاريخية والاجتماعية بصورة تخلدت في ذاكرة المشاهد العربي. ومن أبرز أعماله:
- مسلسل “الضيعة” الذي قدم فيه شخصية لا تنسى
- مسلسل “الهامة” حيث أبدع في تجسيد شخصية معقدة
- مسلسل “الزير سالم” الذي قدم فيه أداءً استثنائياً
- مسلسل “التغريبة الفلسطينية” حيث جسد معاناة الشعب الفلسطيني
تميز أداؤه بـ الصدق الفني والعمق النفسي في تجسيد الشخصيات، مما جعل جمهوره يثق بأدائه تماماً ويشعر بأنه أمام فنان حقيقي لا يتكلف ولا يتصنع.
الأبعاد الإنسانية في شخصيته
وراء الفنان العظيم، كان هناك إنسان متواضع محبوب من كل من عمل معه. عُرف عن سلوم حداد:
- التواضع الجم رغم شهرته الواسعة
- الالتزام الأخلاقي في تعامله مع زملائه
- الجدية في العمل والاحترافية العالية
- الدعم المستمر للمواهب الشابة
كان حداد يؤمن بأن الفنان الحقيقي هو الذي يخدم قضايا أمته، ولم يخشَ يوماً في التعبير عن مواقفه الوطنية والقومية من خلال فنه وأقواله.
مكانته في قلوب الجمهور
جاءت عبارة “الفنان الذي لم يكذب يومًا على جمهوره” التي رافقت خبر رحيله لتعبر بأصدق صورة عن العلاقة الاستثنائية بينه وبين متابعيه. لقد كان الجمهور يصدق كل لحظة يجسدها على الشاشة أو على المسرح، لأنه كان يقدم فناً نابعاً من القلب، خالياً من التكلف والاصطناع.
رحيله وردود الفعل
أثار خبر رحيل سلوم حداد موجة من الحزن في الأوساط الفنية والاجتماعية. تناقل محبوه ومتابعوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع من أبرز أعماله، مرفقة بتعليقات تؤكد على الفراغ الكبير الذي تركه رحيله.
نقابة الفنانين السوريين نعت الفنان الكبير، مشيدة بإسهاماته الجليلة في إثراء الحركة الفنية في سوريا والوطن العربي. كما نعاه عدد كبير من الفنانين والكتاب والإعلاميين الذين أشادوا بإبداعه وأخلاقه.
إرث فني خالد
ورغم رحيله الجسدي، يبقى سلوم حداد حياً من خلال:
- الأعمال الفنية الخالدة التي ستبقى مرجعاً للأجيال القادمة
- الأدوار التاريخية التي جسدها ببراعة استثنائية
- المواقف الإنسانية التي عرف بها طوال مسيرته
- التأثير العميق الذي تركه في الحركة الفنية السورية
لقد كان رحيل سلوم حداد خسارة فادحة للفن السوري والعربي، لكن إرثه الفني الزاخر سيبقى شاهداً على عظمة فنان ملأ الدنيا وشغل الناس، وظل حتى آخر أيامه مخلصاً لفنه وجمهوره، محافظاً على تلك اللمسة الصادقة التي جعلت منه أيقونة فنية حقيقية و”وجهًا من وجوه الذاكرة” لا يُنسى.
فقدت سوريا والوطن العربي بأكمله برحيل سلوم حداد أحد رموزه الفنية الأصيلة، لكن الأمل يبقى في أن تظل أعماله منارة تهتدي بها الأجيال القادمة، وتذكيراً بأن الفن الحقيقي هو ذلك الذي ينبع من الصدق والإيمان برسالة الفنان تجاه مجتمعه وأمته.