
في مفاجأة قد تذهل الكثيرين، كشف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي وأحد أبرز وجوه الثورة التقنية في عصرنا، عن خطوته الشخصية والمهنية التالية في عالم يتقدم فيه الذكاء الاصطناعي بخطى ثابتة. في تصريحات حديثة، أوضح ألتمان أنه في حال تجاوز الذكاء الاصطناعي قدراته القيادية، فإن الوظيفة التي سيختارها لن تكون في شركة ناشئة أخرى أو معمل أبحاث متطورة، بل سيعمل في مجال الزراعة، مبتعداً عن صخب وادي السيليكون ليجد راحة البال في أحضان الطبيعة .
هذا التصريح لا يأتي من فراغ، فلدى ألتمان بالفعل مزرعة في كاليفوريا يقضي فيها بعض الوقت، منخرطاً في نشاطات مثل قيادة الجرارات وجمع المحاصيل. ويصف ألتمان هذا العمل بأنه “مريح بعيدًا عن صخب الشركات الكبرى”، مشيراً إلى أن هذا المكان “يعيد إليه شعوراً بالطمأنينة ويذكّره بما هو بسيط وأساسي في الحياة” .
لماذا الزراعة؟ الدوافع وراء القرار غير المتوقع
وراء هذا الخيار الشخصي الذي قد يبدو غير مألوف، تكمن رؤية أعمق للحياة والتكنولوجيا:
- البحث عن الجذور والبساطة: في عالم يتسم بالتعقيد التقني المتسارع، يجد ألتمان في العمل الزراعي عودة إلى الجذور والأساسيات . إنه بحث عن التوازن والإيقاع الطبيعي للحياة، بعيداً عن الضغوط المستمرة لقيادة واحدة من أكثر الشركات ابتكاراً في العالم.
- الطمأنينة بعيداً عن الصخب: يعترف ألتمان بأنه يجد راحته في الطبيعة. الزراعة ليست مجرد وظيفة بديلة، بل هي ملاذ شخصي يوفر له الهدوء والاستقرار النفسي .
- رؤية لمستقبل يتعايش فيه البشر والآلات: لا ينبع هذا القرار من رفض للذكاء الاصطناعي، بل من قناعة راسخة لدى ألتمان. فهو يؤمن بأنه “على المدى الطويل، مثل كل ثورة تكنولوجية، ستظهر وظائف جديدة لم نتخيلها من قبل” . اختياره للزراعة قد يكون تأكيداً على أن المهارات والحرف الإنسانية الأساسية ستظل تحتفظ بقيمتها.
رؤية ألتمان لمستقبل الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي
تصريحات ألتمان حول مستقبله الشخصي تتماشى مع رؤيته الأوسع للتأثير المجتمعي للذكاء الاصطناعي. فهو يرى أن هذه التقنية ستؤدي لا محالة إلى اختفاء بعض الوظائف التقليدية . ومع ذلك، فإن نظرته متفائلة، حيث يؤكد أن هذا التحول “سيخلق فرصًا جديدة”، خاصة في المجالات التي تركز على تقديم القيمة للآخرين ومساعدة المجتمع .
الأهم من ذلك، أن ألتمان يشدد على أن المهارات الإنسانية الفريدة ستظل صامدة ومطلوبة. فالقدرة على الابتكار والتفكير الإبداعي والتعاطف، هي خصائص “ستظل ضرورية مهما بلغت الآلات من الذكاء” . وهذا يحمل رسالة مطمئنة بأن المستقبل ليس للآلات وحدها، بل للتعاون المتناغم بين الذكاء البشري والاصطناعي.
استعداداً للمستقبل: ما الذي يمكننا تعلمه من هذه القصة؟
قصة سام ألتمان الشخصية تقدم دروساً قيمة لكل فرد في زمن الذكاء الاصطناعي:
- التفكير في المهارات الإنسانية: يشجعنا اختيار ألتمان على التفكير في المهارات غير القابلة للأتمتة والتي نمتلكها. قد تكون هذه المهارات فنية، أو إبداعية، أو متعلقة بالتعامل مع الطبيعة، أو قائمة على التعاطف البشري.
- البحث عن التوازن: في سباقنا المحموم مع التكنولوجيا، تذكرنا هذه القصة بأهمية البحث عن التوازن في حياتنا. فالعودة إلى الأنشطة البسيطة والأصيلة يمكن أن تكون مصدراً للطمأنينة والقوة.
- الاستعداد للتغيير: يدعو ألتمان الأفراد والمجتمعات إلى الاستعداد لمستقبل يتسم بتفوق الذكاء الاصطناعي، مؤكداً على أهمية تطوير المهارات الإنسانية والقدرة على التفكير النقدي والإبداعي .
خلاصة: قرار سام ألتمان بالاتجاه إلى الزراعة بعد الذكاء الاصطناعي هو أكثر من مجرد فضول إعلامي. إنه بيان رمزي قوي يشير إلى أن التقدم التكنولوجي، رغم أهميته، لا يجب أن يجذبنا بعيداً عن جوهر إنسانيتنا وعن الأشياء البسيطة والأساسية التي تمنح الحياة معنى وقيمة. المستقبل سيكون لأولئك القادرين على الجمع بين قوة التكنولوجيا وحكمة الطبيعة والإبداع البشري.