
في عالم العلاقة الزوجية، تبرز العديد من المصطلحات والتوجيهات التي قد تبدو غامضة للبعض، ومن بينها مصطلح جماع الغيلة. قد يتساءل الكثيرون: ما هو هذا النوع من الجماع تحديداً؟ هل هو محرم أم مباح؟ وما الحكمة من الأمر به؟ والأهم.. لماذا قد يثير الخوف لدى بعض الرجال؟
في هذا المقال، سنقوم برحلة لفهم هذا المصطلح بناءً على التفسيرات الشرعية والعلمية، لنزيح الغموض عنه ونساعد الأزواج على بناء علاقة صحية ومتوازنة.
ما هو جماع الغيلة في اللغة والشرع؟
في اللغة، كلمة “الغيلة” مشتقة من “الغول”، وهو شيطان أو جنيٌّ يتلبس بالإنسان ويضله. ويُقال “أَغَالَ الظبيُ”: إذا رضع وهو في بطن أمه. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو يعني جماع الرجل لزوجته وهي ترضع طفلاً رضاعة طبيعية .
وقد ورد ذكر “الغيلة” في السنة النبوية في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَغَيْرُ الْغَيْلَةِ، فَإِنَّهُ يُرِيبُنِي”. ومعنى “يُرِيبُنِي” أي يُثير قلقي وريبتي. وهذا النهي يحمل في طياته حكماً عظيماً وهدفاً سامياً.
لماذا أمرنا النبي ﷺ باجتناب الغيلة؟ الحكمة العلمية المذهلة
وراء النهي عن جماع الغيلة حكم عظيمة تتجلى فيها معجزة السنة النبوية، والتي أكدها العلم الحديث لاحقاً. فجماع المرأة أثناء رضاعتها للطفل قد يؤثر سلباً على ثلاثة أطراف:
- تأثير سلبي على جودة حليب الأم: أثناء الجماع، يحدث تغير هرموني في جسم المرأة، وقد تؤدي هذه التغيرات إلى تغير في طعم الحليب ورائحته، مما قد يدفع الرضيع إلى رفض الثدي والنفور منه، وبالتالي حرمانه من مصدر غذائه الأساسي .
- تأثير سلبي على صحة الرضيع: إذا قبلت الأم رضيعها بعد الجماع مباشرة، فقد تنتقل بعض الهرمونات أو المواد عبر الحليب إلى الطفل، مما قد يؤثر على جهازه الهضمي أو صحته العامة. كما أن الحمل الجديد الذي قد ينتج عن الجماع سيؤدي بالضرورة إلى انقطاع الحليب أو انخفاض جودته، مما يعرض صحة الرضيع للخطر .
- تأثير سلبي على صحة الأم: جسم الأم بعد الولادة يكون في حالة تعافٍ واستعداد لإنتاج الحليب. وقد يؤدي الحمل الجديد في هذه الفترة إلى إرهاق جسدها واستنزاف طاقتها، كما يعرضها لخطر الولادات المتقاربة، وهو ما يحذر منه الأطباء عالمياً.
“مفاجأة عن سبب خوف الرجال منه.. الحلقة المفقودة بين العلم والثقافة
قد ينتاب بعض الرجال شعور غريب من الخوف أو القلق عند ممارسة العلاقة الحميمة مع زوجاتهم المرضعات. هذا الشعور قد يكون ناتجاً عن أسباب متعددة، بعضها نفسي والآخر ثقافي:
- الخوف من المسؤولية المزدوجة: يشعر الرجل بثقل المسؤولية تجاه طفله الرضيع، وقد يترجم هذا الشعور الغريزي بالخوف على صحة رضيعه إلى قلق داخلي يظهر في صورة خوف من العلاقة الحميمة في هذه الفترة تحديداً.
- الخوف الجنسي عند الرجال: يعاني بعض الرجال من رهاب أو قلق جنسي يؤثر على أدائهم في العلاقة الحميمة. هذا النوع من الخوف يظهر في صورة أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب، ضيق التنفس، جفاف الفم، والتعرق الزائد . وقد تتفاقم هذه الأعراض في فترات الضغوط النفسية مثل فترة ما بعد الولادة.
- القلق بشأن القدرة على إرضاء الشريك: في ظل انشغال الأم برعاية المولود الجديد وإرهاقها، قد يشعر الرجل بقلق إضافي بشأن أدائه الجنسي وقدرته على إرضاء شريكته في هذه المرحلة الدقيقة .
بين النهي والحظر.. ما هو الحكم الشرعي الدقيق؟
من المهم جداً التوضيح أن جماع الغيلة هو “مكروه” وليس حراماً، أي أن فعله لا إثم فيه ولكن تركه أولى وأفضل. والكراهية هنا منصبة على التوقيت وليس الفعل بذاته، فهي خاصة بجماع المرأة المرضع خوفاً على صحة الرضيع. فإذا اتخذ الزوجان الوسائل الآمنة لمنع الحمل خلال هذه الفترة، وأخذا في الاعتبار الحالة الصحية للأم والرضيع، فإن ممارسة العلاقة الحميمة بينهما تبقى في إطارها المشروع والمباح.
نصائح عملية للأزواج في فترة الرضاعة
لعبور مرحلة الرضاعة بعلاقة زوجية مستقرة ومتوازنة، يمكن اتباع هذه النصائح:
- التواصل والتفاهم: نقاش المشاعر والمخاوف بين الزوجين هو أساس تخطي أي عقبة.
- الاستعانة بوسائل منع الحمل الآمنة: بعد استشارة الطبيب، لتجنب الحمل المتقارب وحماية صحة الأم والرضيع.
- التخطيط للعلاقة الحميمة: اختيار وقت يكون فيه الرضيع نائماً بعمق وبعد أن تكون الأم قد أرضعتته، مما يضمن راحتها واسترخاءها.
- طلب المشورة المتخصصة: إذا استمرت المشاعر السلبية أو الخوف، فلا تترددا في استشارة طبيب نفسي أو معالج متخصص في الصحة النفسية والعلاقات الزوجية .
ختاماً، فإن النهي عن جماع الغيلة هو تشريع إلهي يحمل في طياته رحمة عظيمة بالأم والرضيع والعلاقة الزوجية نفسها. وهو ليس تحريماً، بل توجيهاً حكيماً للحفاظ على التوازن الصحي والنفسي للأسرة كلها. الفهم الصحيح لهذا الحكم، والالتزام بروح المودة والرحمة التي أمرنا بها الدين الحنيف، هما المفتاح لعلاقة زوجية سعيدة ومستقرة حتى في أكثر المراحل تعقيداً وهناك أوقات يحرم فيها الجماع بين الزوجين .
ما رأيكم في هذه المعلومة؟ هل كانت واضحة لديكم من قبل؟ شاركونا آراءكم واستفساراتكم في التعليقات.