أسعار الذهب تخنق المستهلك الصيني: تحولات جذرية في سوق المعدن الأصفر

كشفت أحدث البيانات عن تراجع مبيعات الذهب في الصين بنسبة 60% رغم تسجيل الأسعار ارتفاعات قياسية، حيث تحول المستهلكون من الشراء المباشر إلى استبدال المجوهرات القديمة كرد فعل على تضاعف أسعار الغرام بأكثر من 50% خلال عام واحد فقط.

تشهد سوق الذهب في الصين، التي تُعد أكبر مستهلك للمعدن النفيس في العالم، تحولات جذرية في سلوك المستهلكين والمستثمرين. فبعد أن كان الذهب ملاذاً آمناً مفضلاً للادخار والزينة، أصبح اقتناؤه رفاهية يصعب على الكثيرين تحمل تكاليفها في ظل الارتفاع القياسي للأسعار الذي تجاوز 4000 دولار للأونصة عالمياً، مما دفع بالعديد من الصينيين إلى تبني استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه الأوضاع غير المسبوقة.

صدمة الأسعار: غرام الذهب يقفز من 630 إلى 1160 يواناً

شهدت أسواق الذهب في الصين ارتفاعاً صاروخياً غير مسبوق، حيث قفز سعر غرام الذهب من 630 يواناً في يناير الماضي إلى نحو 1160 يواناً (162.9 دولاراً) لدى تجار التجزئة، وفقاً لبيانات وسائل الإعلام الرسمية . هذا الارتفاع الذي تجاوز 50% في أقل من عام، جاء متوافقاً مع تجاوز الأسعار العالمية حاجز 4000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ .

ويعكس هذا الارتفاع القياسي حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي والتوترات الجيوسياسية التي دفعت بالعديد من المستثمرين والبنوك المركزية إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن. كما ساهم في هذا الصعود ضعف سوق العقارات الصيني وتباطؤ النمو الاقتصادي، مما زاد من الإقبال على الذهب كبديل استثماري آمن نسبياً .

تبدل سلوك المستهلك: من الشراء إلى الاستبدال

أدى الارتفاع الكبير في الأسعار إلى تغيير جذري في سلوك المستهلك الصيني، حيث تحول 60% من المعاملات في سوق الذهب إلى عمليات استبدال للمجوهرات القديمة بتصاميم أحدث، بدلاً من الشراء الجديد المباشر . وأوضح البائع في شنغهاي، وانغ هاي تشوان، أن “الاستهلاك ما زال قوياً، لكن ارتفاع الأسعار الكبير جعل بعض الناس يترددون” .

وفي مؤشر واضح على تأثير الأسعار على القدرة الشرائية، قال يان ليشياوفنغ، مدير شركة “شنتشن شينهوي جوليري” لتجارة الذهب بالجملة: “في الماضي كان العميل يشتري بثلاثة غرامات مقابل ألف يوان، أما الآن فلا يحصل إلا على غرام واحد” . هذا التراجع في القدرة الشرائية أدى إلى انخفاض حجم المعاملات بنحو 60% مقارنة بالسنوات العادية .

مؤشرات أوسع: تراجع الإنفاق رغم صعود الأسهم

لا يعد تراجع إنفاق المستهلكين على الذهب ظاهرة معزولة، بل يتزامن مع مؤشرات أوسع على ضعف الإنفاق في الصين رغم الأداء القوي لسوق الأسهم. فخلال عطلة “الأسبوع الذهبي” بين 1 و8 أكتوبر، انخفض متوسط الإنفاق لكل رحلة سياحية إلى 911 يواناً (113 دولاراً)، وهو أدنى مستوى منذ عام 2022 .

كما شهدت إيرادات شباك التذاكر السينمائي تراجعاً حاداً بنسبة 12.8% عن العام الماضي، وبنحو الثلث مقارنة بعطلة 2023 . ويقول ليو تاو، موظف مالي من بكين: “لم أشاهد أي فيلم هذه العطلة، بينما كنت أشاهد واحداً على الأقل كل عام” .

استراتيجيات الصين: محاولة لتصبح “خزنة ذهب” العالم

في موازاة هذه التحديات الاستهلاكية، تسعى الصين لتعزيز موقعها في سوق الذهب العالمي عبر محاولة تقديم نفسها كأمين حفظ لاحتياطيات الذهب السيادية الأجنبية، في تحد مباشر للمراكز التقليدية في لندن ونيويورك . واتخذت الصين خطوات عملية لتحقيق هذا الهدف، منها إطلاق بورصة شنغهاي للذهب أول خزائنها وعقودها الخارجية في هونغ كونغ، وتخفيف القيود على استيراد الذهب .

وتهدف الصين من هذه الخطوة إلى تعزيز دورها في النظام المالي العالمي وتدويل اليوان، كجزء من حملة واسعة النطاق لإقامة عالم أقل اعتماداً على الدولار الأمريكي . وتأتي هذه التحركات في وقت تحتل فيه الصين المركز السادس عالمياً من حيث احتياطيات الذهب التي بلغت 2298 طناً في الربع الثاني من 2025 .

توجهات البنوك المركزية: سباق ذهب عالمي

تدفع التوجهات العالمية حالياً نحو زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، حيث تخطت حيازاتها من الذهب حيازات السندات الأمريكية للمرة الأولى منذ عام 1996 . ويمثل الذهب حالياً ما يقارب 27% من إجمالي احتياطي البنوك المركزية، وفقاً لمجلس الذهب العالمي .

وتتصدر الصين وروسيا هذا السباق الاستراتيجي لتعزيز حيازة الذهب، حيث واصل بنك الصين الشعبي مشترياته للشهر الحادي عشر على التوالي، في إطار استراتيجية تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأمريكي . ويتوقع حوالي 95% من البنوك المركزية ارتفاع احتياطيات الذهب العالمية في العام المقبل .

تأثير الارتفاع على شركات المجوهرات: ابتكار أو اندثار

واجهت شركات المجوهرات globally ضغوطاً متزايدة بسبب ارتفاع أسعار الذهب، حيث اضطرت شركات كبرى مثل “باندورا” و”سيغنت” إلى استكشاف رفع الأسعار أو طرق تصنيع بديلة لمواجهة الضرر الذي يلحق بها . وأعلنت شركة “مجوري” أنها مضطرة لرفع أسعارها بسبب ارتفاع تكلفة الذهب والفضة والرسوم الجمركية .

ولمواجهة هذه التحديات، اتجهت بعض الشركات إلى الابتكار في منتجاتها، حيث تقدم شركة “باوبِل بار” مجموعة من قطع الذهب “شبه الفاخرة” بطبقة سميكة من الذهب عيار 18 قيراطاً يتم طلاء قاعدة من الفضة الإسترليني بها، مما يسمح لها بتجنب التكاليف المرتبطة بمجوهرات الذهب الخالص . بينما اتجه آخرون مثل أليكسيس بيطار، الرئيس التنفيذي لشركة مجوهرات، نحو إنتاج القطع المطلية بالذهب لتوفير التكاليف .

خلاصة التحولات في سوق الذهب الصيني:

  • الارتفاع القياسي: قفز سعر غرام الذهب في الصين من 630 إلى 1160 يواناً مع تجاوز الأسعار العالمية 4000 دولار للأونصة
  • تراجع حاد في المبيعات: انخفاض حجم المعاملات بنسبة 60% مع تحول 60% من العمليات لاستبدال المجوهرات القديمة
  • توجه استراتيجي: تسعى الصين لتصبح مركزاً عالمياً لتخزين الذهب لتعزيز موقعها في النظام المالي الدولي
  • ضغوط على الشركات: تضطر شركات المجوهرات لتبني استراتيجيات تسعير ومنتجات جديدة لمواجهة ارتفاع التكاليف

تُظهر هذه التحولات أن الصين، أكبر مستهلك عالمي للذهب، تمر بمرحلة إعادة توازن بين الرغبة التقليدية في اقتناء الذهب والضغوط الاقتصادية الحالية التي تحد من الشراء الفعلي، في مشهد يعكس هشاشة الثقة الاستهلاكية وتوجه المدخرات نحو الأصول الآمنة بدلاً من الاستهلاك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى