لماذا يشيخ بعض الناس بصورة أسرع من غيرهم؟ سؤال حيّر العلماء لعقود، لكن دراسة دولية رائدة بقيادة جامعة كولورادو بولدر الأمريكية تقدم الآن إجابات جينية مثيرة تكشف النقاب عن الأسرار الخفية وراء الشيخوخة المبكرة والاختلافات الواسعة في وتيرة التقدم بالعمر بين الأفراد.
التفسير الجيني للوهن وتعدد أشكال الشيخوخة المبكرة
كشفت الدراسة المنشورة في مجلة “Nature Genetics” المرموقة عن شبكة جينية معقدة تقف وراء الشيخوخة المبكرة. حيث حدد الباحثون 408 جيناً مرتبطاً بالتقدم السريع في العمر، وهي زيادة كبيرة بالمقارنة مع 37 جيناً فقط كانت معروفة سابقاً. وأظهرت النتائج أن الشيخوخة ليست عملية موحدة، بل تنقسم إلى ستة أنماط غير صحية تشمل:
- التدهور الإدراكي والمعرفي
- الإعاقات الحركية والجسدية
- الاضطرابات الأيضية والتمثيل الغذائي
- تعدد الأمراض المزمنة
- أنماط الحياة غير الصحية
- المحدودية في الدعم الاجتماعي
منهجية الدراسة ومصادر البيانات
اعتمدت الدراسة على تحليل البيانات الجينية لمئات الآلاف من المشاركين من البنك الحيوي البريطاني وقواعد البيانات العالمية الأخرى. واستخدم الباحثون تقنيات متطورة في دراسة الجينات لتحديد المسارات البيولوجية الدقيقة المسؤولة عن كل شكل من أشكال و علامات الشيخوخة المبكرة. وظهر جين FTO المسبب للسمنة في العديد من فئات الشيخوخة غير الصحية، كما ارتبطت جينات أخرى بوظيفة المناعة ومرض الزهايمر.
التطبيقات المستقبلية: من التشخيص إلى العلاج المستهدف
يؤكد الباحثون أن هذه النتائج تمثل نقلة نوعية في فهم عملية الشيخوخة. حيث يقول الدكتور أندرو غروتزينغر، الباحث الرئيسي في الدراسة: “لا تقتصر أهمية هذه الدراسة على تحديد الجوانب الفرعية للشيخوخة المضطربة فحسب، بل تكشف عن وجود بيولوجيا مختلفة تماماً تكمن وراء كل منها”.
وتضيف الدكتورة إيزابيل فوت، المؤلفة الرئيسية للدراسة: “لمكافحة الشيخوخة المبكرة بشكل فعال، يجب أولاً فهم العوامل البيولوجية الكامنة وراءها”.
توصيات عملية لتقييم الشيخوخة
يقترح الباحثون توسيع نطاق تقييمات الوهن الشيخوخي لتشمل الأنواع الفرعية الستة المحددة في الدراسة. هذا التوسع سيمكن الأطباء من:
- التنبؤ بالمخاطر الصحية المحتملة للمسنين
- استباق حالات مثل الخرف والسكري
- تطوير علاجات مستهدفة تعتمد على الخريطة الجينية لكل فرد
- الانتقال من نهج العلاج العام إلى العلاج الشخصي القائم على المسارات البيولوجية المحددة
تمثل هذه الدراسة نقلة paradigm في فهمنا لآليات التقدم بالعمر، حيث تفتح الباب أمام عصر جديد من العلاجات المستهدفة للشيخوخة. بينما لا توجد حتى الآن “حبة سحرية” لوقف التقدم بالعمر، فإن رسم الخريطة الجينية الدقيقة للشيخوخة قد يمكن العلماء من إبطاء مسيرة العمر ذاتها، مما يعد بتحسين جودة الحياة للملايين حول العالم في مراحلهم العمرية المتقدمة.