
في قصة تتردد كثيراً في مجتمعاتنا، يقع رجل وامرأة في خطيئة الزنا، ثم يندمان ويهبطان على باب التوبة، ليتقدما بعدها لعرس شرعي يجمع بينهما. هنا يبرز سؤال مصيري يقلب حياة الكثيرين: هل يقبل الله توبتهما؟ وهل يصح هذا الزواج أم أنه يظل باطلاً؟ الإجابة الرسمية من دار الإفتاء المصرية ومشاييل كبار قد تفاجئكم.
الحكم الشرعي: الزواج صحيح والتوبة تمحى ما قبلها
بعيداً عن الآراء الشعبية المتداولة، يؤكد كبار علماء المسلمين أن زواج الرجل بالمرأة التي زنى بها بعد التوبة هو زواج صحيح . هذا الحكم ليس رأياً هامشياً، بل هو رأي جمهور العلماء من المذاهب الفقهية الرئيسية؛ الحنفية والمالكية والشافعية .
ويوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أن “التوبة تكون بالإقلاع عن الزنا والندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه” . ويؤكد أن “من تاب تاب الله عليه، سواء تزوج منها بعد ذلك أو لم يتزوج” . أي أن الزواج ليس شرطاً لقبول التوبة، ولكن إذا تاب الشخصان وكانا مناسبين للزواج، فإن زواجهما يعتبر حسناً من ناحية المروءة لأنه يستر ما فات .
تفسير الآية الكريمة: لماذا لا تنطبق على التائبين؟
قد يستشهد البعض بآية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] للقول بتحريم هذا الزواج. ولكن التفسير الصحيح لهذه الآية، كما يبين العلماء، أن المقصود بها الزناة المستمرون على فعلهم دون توبة، وليس من تاب وندم . فالتائب من الذنب “كمن لا ذنب له” كما في الحديث النبوي الشريف . بمجرد التوبة الصادقة، يرتفع وصف “الزاني” عن الشخص، وبالتالي لا يسري عليه حكم هذه الآية .
ما هي شروط التوبة النصوح؟
لكي تكون التوبة مقبولة ويرتفع الإثم، يجب أن تستوفي عدة شروط أساسية :
- الإقلاع الفوري عن المعصية.
- الندم الشديد على ما فات.
- العزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.
- الاستبراء، وهو انقضاء العدة للمرأة بعد الزنا وقبل الزواج، وفقاً لرأي بعض العلماء مثل المالكية .
ماذا عن “حد الزنا”؟ ألا يجب إقامته قبل الزواج؟
هذا من المفاهيم الشائعة الخاطئة. إقامة حد الزنا ليست شرطاً لصحة التوبة أو صحة الزواج . التوبة النصوح بين العبد وربه تكفي لمغفرة الذنب، حتى لو لم يقم عليه الحد في الدنيا .
نصيحة أخيرة: استر نفسك ولا تجاهر بذنبك
ينصح العلماء كل من وقع في معصية ثم تاب وأراد أن يتزوج بطريقة شرعية بأمر في غاية الأهمية: “الستر على النفس” . لا يجوز للمرء أن يجهربذنبه الذي ستاره الله عليه، والأولى ألا يخبر أحداً بما حدث، بما في ذلك الجهات الرسمية إذا كان قد تاب بينه وبين الله . فالحكمة من التشريع هي فتح باب العودة والاستقامة، وليس إغلاقه.
خلاصة الحكم الشرعي: إذا وقعت الخطيئة ثم جاءت التوبة الصادقة، فالأبواب مغلقة أمامها. زواج التائب من التي زنى بها جائز وصحيح وهو خيار يحفظ كرامة الطرفين ويغلق باب الفاحشة. المهم هو الإخلاص في التوبة والاستمرار في فعل الصالحات.