تيلي نوروود.. “ممثلة افتراضية” بالذكاء الاصطناعي تُقلق هوليوود

في مشهد يبدو وكأنه مقتطف من فيلم خيال علمي، هزت ظاهرة غريبة عالم السينما في سبتمبر 2025، مع الإعلان عن ظهور أول ممثلة افتراضية بالكامل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه الممثلة، التي حملت اسم “تيلي نوروود”، لم تكن مجرد شخصية كرتونية عادية، بل كياناً رقمياً متكاملاً تم تطويره بعناية ليتنافس على أدوار البطولة في أفلام هوليوود القادمة. منذ اللحظة الأولى لإعلانها، أثارت تيلي نوروود عاصفة من الجدل والغضب في أوساط الممثلين والنجوم، مما أعاد إلى الواجهة المخاوف القديمة من أن تحل الآلة محل الفنانين البشر، وتسرق منهم وظائفهم وإبداعهم. في هذه المقالة، سنأخذكم في جولة شاملة للتعرف على هذه الظاهرة الفريدة، والجدل الدائر حولها، وما يمكن أن تعنيه لمستقبل صناعة الترفيه في العالم.

من هي تيلي نوروود؟ التعريف بالمشروع المثير للجدل

الوجه الجديد الذي صنعته الخوارزميات

تيلي نوروود هي ممثلة افتراضية تم تطويرها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي من قبل استوديو “شيكويا” (Xicoia)، وهو فرع متخصص في استوديو الإنتاج Particle6 . قدمها القائمون على المشروع على أنها “النجمة التالية” التي ستخلف نجمات من وزن سكارليت جوهانسون وناتالي بورتمان . وعلى عكس الشخصيات الكرتونية التقليدية، تم تصميم تيلي لتبدو كفتاة مراهقة واقعية للغاية، مع صور شخصية وعفوية وتسجيلات فيديو، ويدَّعى أنها “تعيش في لندن” في سردية افتراضية صنعها مطوروها .

الطموح المعلن والجدل الكامن

كشفت إيلين فان دير فيلدن، المؤسسة الهولندية للشركة، أن وكالات عديدة للمواهب بدأت تتسابق للتعاقد مع الممثلة الافتراضية بالفعل . هذا الإعلان هو ما أشعل شرارة الغضب، حيث أعاد إلى الأذهان المخاوف التي كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء الإضرابات الجماعية التي شلت هوليوود لعام 2023، عندما توقف آلاف الممثلين والكتّاب عن العمل مطالبين بحماية حقوقهم من تهديدات الذكاء الاصطناعي .

ردود الفعل الغاضبة: هوليوود ترفض الصورة الرقمية

صرخات الممثلين على منصات التواصل الاجتماعي

لم يتردد نجوم هوليوود في التعبير عن غضبهم واستيائهم من ظهور تيلي نوروود، معتبرين ذلك تحدياً مباشراً لمهنتهم وإبداعهم.

  • ميليسا باريرا (نجمة سلسلة أفلام “سكريم”): كتبت على إنستغرام: “آمل بأن يتخلى جميع الممثلين المتعاقدين مع الوكالة التي تقف وراء هذا الأمر عن خدماتها. يا له من أمر مريع!” .
  • مارا ويلسون (نجمة فيلم “ماتيلدا”): وجهت اتهاماً صارخاً للقائمين على المشروع، قائلة: “عار على هؤلاء. لقد سرقوا وجوه مئات الشابات ليصنعوا هذه الممثلة بالذكاء الاصطناعي. إنهم ليسوا مبدعين، بل سارقو هويات” .
  • لوكاس غيج (نجم مسلسل “ذي وايت لوتس”): سخر من الوضع بتعليق أقل حدة، حيث اتهم نظيرته الافتراضية بأنها “كابوس لمن يتعامل معها” لأنها “غير قادرة على تحديد مكانها في موقع التصوير كما أنها تتأخر عن مواعيدها” .

الموقف الرسمي: نقابة الممثلين تدخل على الخط

لم يكن رد الفعل الغاضب مقصوراً على الأفراد فحسب، بل تدخلت نقابة ممثلي الشاشة (SAG-AFTRA) بشكل رسمي وقوي. في بيان شديد اللهجة، وصفت النقابة تيلي نوروود بأنها “تهديد وجودي” للممثلين البشريين .

وأوضح البيان عدة نقاط جوهرية :

  • “تيلي نوروود ليست ممثلة، بل شخصية مُولَّدة بواسطة برنامج حاسوبي”.
  • أنها “دُرِّبت على أعمال عدد لا يُحصى من الفنانين المحترفين – دون إذن أو تعويض”، مما يعد شكلاً من أشكال سرقة الهوية الفنية.
  • أنها “لا تستند إلى أي تجربة حياتية، أو مشاعر”، وبالتالي تفتقر إلى جوهر الأداء الإبداعي.
  • حذرت النقابة المنتجين من استخدام “الممثلين الاصطناعيين” دون الامتثال للالتزامات التعاقدية، التي تتطلب إخطاراً ومفاوضات مسبقة.

الدفاع عن الإبداع: الرد من الطرف الآخر

تحت وطأة هذه الانتقادات الحادة، خرجت إيلين فان دير فيلدن، مؤسسة المشروع، للدفاع عن مبتكرها. وقد حاولت في ردودها تهدئة الأجواء وتقديم رؤية مختلفة للمشروع .

رؤية مغايرة للفن والإبداع

  • ليس بديلاً بل عملاً إبداعياً: أكدت فان دير فيلدن في بيان على إنستغرام أن “تيلي نوروود ليست بديلا عن الإنسان، بل هي عمل إبداعي – قطعة فنية” . وشددت على أنها كممثلة سابقة لا تعتقد أن أي شيء يمكنه أن ينقص من براعة الأداء البشري أو متعته .
  • أداة جديدة وليست منافساً: استخدمت مؤسسة المشروع تشبيهاً توضيحياً، قائلة إن الذكاء الاصطناعي هو “أداة جديدة، وفرشاة رسم جديدة” . وذكرت أنه “كما فتحت الرسوم المتحركة وعروض الدمى والمؤثرات الخاصة آفاقا جديدة من دون أن تُنقص من الأداء الحي، يُقدّم الذكاء الاصطناعي طريقة أخرى لتخيل القصص وبنائها” .
  • فن مستقل بذاته: دعت فان دير فيلدن إلى النظر إلى الممثلين الافتراضيين على أنهم “جزء من نوعهم الفني الخاص”، يجب الحكم عليهم بناءً على مزاياهم الفنية الخاصة، وليس مقارنتهم مباشرة بالممثلين البشريين .

الصورة الأكبر: الذكاء الاصطناعي يغزو الصناعات الإبداعية

ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة

تيلي نوروود ليست سوى حلقة في سلسلة متصلة من التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الصناعات الإبداعية، والتي أثارت الجدل في كل مرة . من الأمثلة البارزة الأخرى:

  • فرقة “ذي فيلفيت صن داون” الافتراضية: التي تجاوزت أعمالها عتبة المليون استماع على منصة “سبوتيفاي” خلال الصيف الماضي .
  • عارضة الأزياء الافتراضية: حيث نشرت مجلة “فوغ” المرموقة في عددها الصادر في أغسطس إعلاناً تظهر فيه عارضة أزياء متخيلة تم إنشاؤها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي .

الخاتمة: صراع البقاء بين الإنسان والآلة

ظهور تيلي نوروود يمثل أكثر من مجرد خبر عابر في عالم الفن؛ إنه تجسيد لصراع أوسع حول مستقبل الإبداع في عصر الذكاء الاصطناعي. من ناحية، يقف الفنانون والبشر عموماً مدافعين عن قدسية التجربة الإنسانية والمشاعر الحقيقية التي لا يمكن للخوارزميات محاكاتها. ومن ناحية أخرى، تقف شركات التكنولوجيا التي ترى في هذه الأدوات فتحاً جديداً يمكنه إثراء القصص وخلق أشكال فنية لم تكن ممكنة في السابق.

السؤال الذي تطرحه تيلي نوروود ليس فقط عما إذا كانت ستنجح في الفوز بأدوار تمثيلية، بل هل يمكن للفن أن يظل إنسانياً في صميمه؟ وهل يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكاً في الإبداع دون أن تكون قاتلة له؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستتشكل ببطء خلال السنوات القادمة، لكن المؤكد أن اسم “تيلي نوروود” سيظل محفوراً في تاريخ هوليوود كالشرارة التي أعادت إشعال واحدة من أهم المعارك الثقافية في عصرنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى