
بعد أكثر من عقد من الغياب والاختباء داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، شهد مساء السبت 4 أكتوبر 2025 مشهداً درامياً سلّم خلاله الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه إلى الجيش اللبناني، منهياً 13 عاماً من الملاحقة القضائية والجدل الذي احتدم حول شخصيته بين الوسطين الفني والسياسي في لبنان والعالم العربي.
تفاصيل اللحظة التاريخية: مسيرة واثقة نحو مصير مجهول
شهد حاجز “الحسبة” العسكري على مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا اللحظة المفصلية التي غادر فيها فضل شاكر المخيم. وفقاً لشهود عيان، سار شاكر بخطوات واثقة ومرتاحاً من المخيم نحو الحاجز العسكري، حيث كان يتحدث إلى مرافقيه بتفاؤل قبل أن تتسلمه دورية من مديرية مخابرات الجيش اللبناني. وقد أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه – بشكل رسمي عن هذه الخطوة، مؤكدة أن التحقيق معه قد بدأ فعلياً بإشراف القضاء المختص على خلفية أحداث عبرا عام 2013.
رحلة صعود وسقوط: من نجم الغناء العربي إلى الملاحقة القضائية
تمتد قصة فضل شاكر (56 عاماً) التي شغلت الرأي العام لسنوات بين قطبي الشهرة الفنية والعزلة القسرية:
- النجم اللامع: ولد شاكر في صيدا عام 1969، واشتهر في تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية بصوته الدافئ والأغاني الرومانسية التي حققت شهرة عربية واسعة، ليصبح أحد أبرز نجوم الطرب في تلك الفترة.
- المنعطف المصيري: في عام 2012، أعلن شاكر اعتزاله الغناء وانضم لجماعة الشيخ أحمد الأسير، وهو القرار الذي قلب مسار حياته رأساً على عقب. وبعد عام واحد فقط، في يونيو 2013، اندلعت أحداث عبرا الدامية بين أنصار الأسير والجيش اللبناني، وأسفرت عن مقتل 18 عسكرياً و11 مسلحاً.
- الملاحقة واللجوء: ارتبط اسم شاكر بتلك الأحداث، ما اضطره للفرار والاختباء داخل مخيم عين الحلوة لأكثر من 12 عاماً. وفي عام 2020، أصدرت المحكمة العسكرية حكماً غيابياً بسجنه 22 عاماً مع الأشغال الشاقة.
جدل لا ينتهي: بين مؤيد يرى الظلم ومعارض يشدد على المسؤولية
أعاد تسليم شاكر نفسه إحياء الجدل الواسع حول قضيته، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض:
- أصوات التأييد والدفاع عن البراءة: يؤكد الفنان اللبناني صلاح الكردي، الذي يعرف شاكر منذ 23 عاماً، أنه “لم يرَ منه إلا الخير والاحترام” ولم يشك يوماً بصدق ما يدعيه فضل. كما أكد الصحفي رامز القاضي، الذي غطى أحداث عبرا، أن شاكر لم يطلق أي رصاصة في وجه الجنود وغادر الموقع عند بدء الاشتباكات. ويرى كثيرون أن قضيته تسلط الضوء على تضارب أحكام العدالة في لبنان.
- أصوات المعارضة والتشديد على المحاسبة: في المقابل، يرى معارضون أن تمجيد شاكر “مبالغ فيه وغير مقبول”، مشيرين إلى أن التحريض على الفتنة يعد أخطر من القتل نفسه، وأن من شجع على العنف لا يقل مسؤولية عمن نفذه. ويشددون على أن التوبة الحقيقية تتطلب الاعتراف بالذنب وإظهار الندم الصادق واعتذاراً علنياً لعائلات الضحايا.
الدوافع الخفية: لماذا الآن بعد كل هذه السنوات؟
وراء خطوة التسليم المفاجئة بعد سنوات طويلة من الغياب، تكمن عدة دوافع وتحليلات سياسية وقانونية:
- تهديدات داخل المخيم: تحدثت معلومات عن تعرض شاكر لـ تهديدات من مجموعات متشددة داخل المخيم، خاصة بعد عودته القوية إلى الغناء وإصداره أغنيات جديدة.
- مناخ سياسي جديد: يشير المحلل السياسي يوسف دياب إلى أن شاكر ربما شعر بأن الظروف السياسية في لبنان اليوم مختلفة، مع قضاء عسكري أكثر استقلالية وحكومة لا يهيمن عليها حزب الله كما في السابق، مما شجعه على هذه الخطوة.
- رغبة في تسوية قانونية وإثبات البراءة: يؤكد المحللون أن شاكر يسعى من خلال تسليم نفسه إلى إعادة محاكمته محاكمة عادلة بعد إلغاء الأحكام الغيابية السابقة، وهو ما يمنحه فرصة قانونية لإثبات براءته التي دافع عنها طوال السنوات الماضية.
مستقبل مجهول: ما الذي ينتظر فضل شاكر بعد هذه الخطوة؟
تتجه الأنظار الآن نحو المستقبل الذي ينتظر فضل شاكر، والذي يحتمل عدة سيناريوهات:
- المستقبل القضائي: وفقاً للقانون اللبناني، فإن تسليم شاكر نفسه يعني إلغاء الأحكام الغيابية السابقة ضده وإعادة محاكمته من جديد، وهي فرصته لإثبات براءته بشكل قضائي.
- المستقبل الفني: مع الإقرار بصوته الاستثنائي، يتساءل مراقبون عن إمكانية عودته القوية إلى الساحة الفنية، خاصة بعد النجاح الذي لاقته أغنياته الأخيرة التي أصدرها من داخل المخيم، مثل “كيفك عفراقي” و”أحلى رسمة”.
خلاصة، تمثل خطوة فضل شاكر الجريئة في تسليم نفسه فصلاً جديداً في قصة شخصية مثيرة للجدل، تجسدت فيها تناقضات الشرق المعقدة بين الفن والسياسة والعدالة. سواء أكانت هذه الخطوة بداية لنهاية مأساوية أم طيًا لصفحة الماضي وتمهيداً لعودة فنية مدوية، فإنها بلا شك لحظة تاريخية تنتظر نهايتها ليس فقط جمهوره، بل كل من تابع هذه القضية التي طالما أثارت الجدل في العالم العربي.