من خلال مقابلات اليوم من قلب نيران الحرب اللبنانية، خاضت الصحفية لارا نبهان أولى تجاربها من الخطوط الأمامية حسب ما ذكرته في مقابلتها على قناة العربية ، لتشكل هذه اللحظة منعطفًا حاسمًا في مسيرتها المهنية. لم تكن مجرد تغطية ميدانية، بل رحلة إنسانية عميقة، مزجت فيها بين الألم والتعلّم.
لارا نبهان خلال مقابلات اليوم الحادث الطارئ
من بين الركام والدمار، رأت كيف تظل القلوب تنبض بالمحبة رغم الخراب، وكيف يولد من رحم المعاناة وعيٌ أعمق بمعنى الصحافة ودورها الحقيقي. تقول لارا نبهان إن التجربة غيّرتها إنسانيًّا قبل أن تُصقل مهنيًّا، وجعلتها أقرب إلى الناس، وأكثر إدراكًا لحجم المسؤولية في نقل الحقيقة من قلب الخطر.
خلال مقابلات اليوم على قناة العربية تؤمن لارا بأن خوض غمار العمل الصحفي في المناطق الخطرة لا يمكن أن يتم دون تدريب متخصص، فالتدريب هنا ليس رفاهية، بل ضرورة قد تنقذ الأرواح. تسترجع تجربتها خلال حرب لبنان عام 2006، حين تطوعت مع الصليب الأحمر اللبناني وتلقت تدريبًا ميدانيًا مكثفًا، تعلمت خلاله أسس السلامة الشخصية والتعامل في بيئات النزاع.
وتوضح أن الصحفي في مثل هذه الظروف يحتاج إلى أكثر من مجرد كاميرا وقلم؛ فهو بحاجة إلى سترة واقية وخوذة بحجم مناسب، إلى جانب حقيبة إسعافات أولية يعرف تمامًا كيفية استخدامها، فضلًا عن ضرورة معرفة فصيلة دمه وفصائل دم زملائه في الفريق.
لارا نبهان تؤكد أيضًا على أهمية الإلمام بجغرافيا المنطقة، ووضع خطة خروج بديلة في حال تصاعدت المخاطر، إلى جانب التنسيق مع الأهالي المحليين، وغالبًا مع القوى الأمنية أو الجهات المسيطرة على الأرض.
ولا تنسى أهمية وجود مصور أو فريق مدرب يعي خطورة الموقف، ويتصرف بحذر ومسؤولية. وفي مثل هذه البيئات الحساسة، يصبح التواصل السريع مع غرفة التحرير أو المعنيين المباشرين ضرورة قصوى، خصوصًا عندما تتغير الأوضاع على الأرض في لحظات.
عندما تم طرح لها سؤال خلال مقابلات اليوم مع قناة العربية سؤالًا محوريًا حول كيفية التوازن بين الجانب الإنساني والمهني أثناء تغطية أخبار الحروب، أجابت بثقة:
“لا أرى تعارضًا بين إنسانية المراسل ومهنيته، بل أعتقد أنهما وجهان لعملة واحدة، شرط ألا تطغى المشاعر على قدرة الصحفي على نقل الحقيقة. على سبيل المثال، لا يجوز أن ينهار المراسل أمام الكاميرا أو أن يبقى تحت وطأة التأثر طوال الوقت، حتى في أصعب اللحظات.”
الانتماء السياسي
تؤمن لارا أن الصحفي لا يستطيع تقديم صورة واقعية وموضوعية من قلب الحدث إن لم يتحرك بداخله حس إنساني عميق، وتحديدًا في سياقات الحرب حيث المعاناة تكون واضحة وصادمة. لكنها في الوقت ذاته، تضع لنفسها قاعدة صارمة: “الصحفي ليس ناشطًا سياسيًا”، وهذه القناعة تُشكل جوهر أسلوبها في التغطية.
وتضيف سراً خلال مقابلات اليوم لارا نبهان : “التوازن يكمن في الوضوح والحياد. أتابع الخبر كما لو أنه عن بلد آخر، أصف ما أراه بموضوعية، وأحتفظ بآرائي الشخصية لنفسي”. بهذه الطريقة تحافظ لارا على ما تسميه “الحد الفاصل بين التعاطف المهني والانحياز العاطفي”، وهو توازن دقيق لا يُتقنه كثيرون.
لم تكن تجربة لارا نبهان في تغطية الحرب مجرد مهمة مهنية عابرة، بل حملت بعدًا خاصًا ومضاعفًا من التحدي، إذ كانت تنقل مشاهد الدمار من قلب بلدها، لا من بلد آخر. تقول لارا بصدق مؤثر: “حين يغطي المراسل حربًا تدور رحاها في وطنه، يكون وقع التجربة أقسى، لكنها تمنحه في الوقت نفسه عمقًا مهنيًا مختلفًا، بل وأكثر صدقًا من أي تغطية خارجية”.
وعن الأثر الشخصي لهذه التغطيات الميدانية، لم تُخفِ لارا وقعها الثقيل على نفسها: “عدت من ساحة الحرب، لكنني لم أعد منها بالكامل. لا يزال جزء مني هناك. الفصل بين واقع الحرب وهدوء الحياة في المناطق الآمنة أمر صعب للغاية… المشاعر لا تهدأ بسهولة”.
وتتابع بنبرة صادقة: “هناك شعور دائم بالذنب يرافقني؛ فأنا استطعت الخروج، بينما بقي آخرون يواجهون الموت والخوف يوميًا. هذا الإحساس لا يفارقني”. ورغم كل ما مرت به، تؤكد لارا أن هذه التجربة غيّرتها على مستوى شخصي عميق، وجعلتها أكثر قربًا من الناس الذين تحبهم، وأكثر امتنانًا للحياة وللأمان الذي أصبح امتلاكه أمرًا غير مُسلّم به.
أما عن ردود فعل العائلة والأصدقاء خلال تغطيتها للحرب، فتقول لارا إن القلق كان حاضرًا في قلوب الجميع، لكنهم حاولوا جاهدين إخفاءه عنها حتى عودتها. “زوجي وأخي مثلاً، لم يُظهرا توترهما أثناء حديثي معهما، لكنني لاحقًا أدركت حجم الخوف الذي كان يعتصرهما”، تروي لارا، مستذكرة موقفًا مؤثرًا: “كان أخي يشكو دائمًا من صداع شديد كلما تحدثت إليه، ولم أفهم السبب إلا بعد عودتي… لقد كان صداع القلق، لا المرض.”
ورغم أن أخاها كان يعيش بدوره في منطقة تعتبر خطرة نسبيًا داخل لبنان، فإن خوفه عليها كان مضاعفًا. وتضيف: “عندما انتقلت لتغطية الأحداث في جنوب لبنان، انهالت عليّ اتصالات من العائلة، وكانت نبراتهم حادة… يصرخون: لماذا ذهبتِ إلى هناك؟”
لارا من خلال مقابلات اليوم ترى أن هذا القلق لا ينفصل عن واقع اللبنانيين الذين يعيشون في ظل حرب دائمة أو ذاكرة حرب لا تموت. تقول بأسف: “نحن نكبر على صوت القصف ورائحة الخوف. الحرب جزء من وعينا الجماعي. ولهذا نخاف على من نحب، لكن في أعماقنا نؤمن أنهم سيتصرفون بحكمة، وهذا ما حاولت أن أفعله خلال تغطيتي – أن أحمي نفسي بوعي وهدوء، رغم كل شيء”.