شجرة الصداقة
رجلان من أرباب الصناعة في دمشق لكل منهما مصنع حسن السمعة ووفير الإنتاج …
صودر مصنع أحدهما و هو لا يملك شيئا غيره فاعتكف الرجل في بيته منطويا على حزنه معتصما بإيمانه .
و كانت له زوجة و أولاد و بنات فاتفق معهم على مغادرة البلد ليبدأ عملا جديدا في بلد جديد
لكن الأمر يحتاج إلى مال فلا بد إذاً أن يبيع بيته و هو آخر ما يملك …
بادر إلى صديقه وأسر إليه بما عزمت الأسرة عليه وطلب إليه أن يساعده في إيجاد مشتر لبيته
و أعد له وكالة رسمية فوض إليه فيها أمر البيع و التسجيل العقاري و قبض الثمن ..
و سافر لدراسة الجو الجديد و تهيئةالعمل المناسب
اتصل الرجل بعد اسبوعين بصاحبه ليسمع منه أن البيت قد بيع و بالسعر الذي حدده
حضر الرجل و تغدى عند صاحبه وقبض ثمن بيته و عاد أدراجه إلى موطنه الجديد و أنشأ صناعة متواضعة لم تلبث بفضل خبرته
و حسن سيرته أن اتسعت و آتت أحسن الثمار .
وكان الرجل يتردّد إلى دمشق لزيارة صاحبه ومن بقي من أهله ..
ولم تمضي سنوات حتى قال الرجل لصاحبه أريد شراء بيت متواضع في دمشق فلقد أشتد شوق زوجتي و أولادي إلى مدينتهم و ليكون محطة لنا يقيم فيه من يزور دمشق منا .
فوعده صاحبه أن يبذل ما يستطيع لتأمين سكن مناسب. ولم يمض اسبوعان حتى هتف له أن يأتي ليرى البيت الذي اشتراه له .
أسرع صديقه فرحاً إلى دمشق و استقبله صاحبه ثم اصطحبه بعد الغداء بسيارته مجتازاً به بعض شوارع
قائلًا له:إن البيت الجديد بحمد الله قريب من بيته القديم .
فرح الرجل و أكد له أن هذا سيسعد زوجته و أولاده لاعتيادهم السكن في ذلك الحي .
وقفت السيارة أمام البناء فقال له: يارجل هذا هو البناء الذي كنا نسكن فيه .
فقال له صاحبه نعم نعم أذكر ذلك و لكني لست واثقاً إذا كان البيت في نفس الطابق القديم .
صعد الرجلان و في نفس كل منهما ما فيها من آمال و أحلام وتوقع مفاجأت .
وصل الرجلان إلى باب الشقة و أخرج الرجل المفتاح ووضعه في الباب و صاحبه يصيح كيف ذلك.
كيف ذلك إنه بيتنا نفسه .. كيف حصلت عليه؟
إنه يساوي اليوم أضعاف المبلغ الذي حصلت عليه من البيع .
قال له يا أخي سمِّ بالله وادخل ولما دخل وجد أثاث بيته لم يتغير كل شيء في مكانه كاليوم الذي تركوه فيه .
وقف الرجل حائراً لا يدري ماذا يقول فبادره صديقه بالقول: اسمع يا أخي هذا بيتك و هذا فرشك و الله ما بعته لا اشتريته و لا نقلته من أسمك و ليس المبلغ الذي دفعته لك سوى دين مني,
و لو قلت لك يومها لرفضت فأنا أعرفك و أعرف عقلك و الله لا أخذ فوقه ليرة واحدة .
فبارك الله لك في بيتك و مالك
امتلأت عيون الرجل بالدموع كما امتلأت نفسه بالفرح و الامتنان و راح يخبر أهله بأن بيتهم قد عاد إليهم بفرشه وأثاثه
و لكنه أكثر نظافة وبهجة و كان بين الصديقين عناق يحكي قصة صداقة ووفاء نبتت شجرة الصداقة في دمشق .